قد يكون مفيداً التذكير بأمر عام: وهو أن باكستان، الدولة النووية الاسلامية الوحيدة، التزمت في العقد الأخير سياسة مدافعة عن حق ايران في انتاج الطاقة النووية.
وقد يكون مفيداً ايراد تفصيل: وهو أنّ السفارة الباكستانية هي التي ترعى المصالح الإيرانية في الولايات المتحدة. تفصيل ثان: كلمات النشيد الباكستاني وضعت بحيث تكون مطابقة للغتين في وقت واحد: الأوردو والفارسية.
وقد يكون مناسباً، كذلك، التنبيه الى الأهمية التي حظيت بها المجموعة الاقتصادية والسكانية ايران – باكستان مأخوذة ككتلة، بما جعل المفكّر والي نصر يطوّر مقولته عن صعود الرأسمالية الإسلامية.
بعد استذكار كل هذا يصير السؤال عن دخول باكستان في الحملة العسكرية الحالية سؤالاً يحرز.
فهذه الدولة قد تبدو من بعيد سنية أكثر مما هي بالفعل. لكن فيها نحو ثلاثين مليون شيعي، معظمهم يتبعون المذهب الاثني عشري (ثاني أكبر تجمّع للإمامية بعد ايران) مع أقليتين اسماعيليتين كبيرتين.
وأكثر، مؤسس الدولة، كمشروع حل قومي لمشكلة مسلمي شبه القارة الهندية، محمد علي جناح، الملقب بـالقائد الأعظم أو أبا القوم، شيعي. اسماعيلي من حيث الولادة، ومعتنق للمذهب الاثني عشري لاحقاً. بعض من اصرار جناح على تصور انصهاريّ للأمة الباكستانية – وهو تصوّر أدّى في نهاية الأمر الى انفصال باكستان الشرقية عن الغربية واعلانها كبنغلاديش – يرجع الى رغبته الحادة في طمس الثنائية المذهبية السنية ـ الشيعية. كذلك من حكم بعده، منهم اسكندر ميرزا ويحيى خان من الشيعة.
أما عائلة بوتو السندية فقد غلب عليها ذات يوم التشيّع، ثم اختار ذو الفقار علي بوتو التسنّن، استشعاراً بتصاعد الموجة الاسلامية. وزوجته نصرت، أم بنازير بوتو، شيعية ايرانية من القومية الكردية، وهي تولت قيادة حزب الشعب الباكستاني بعد اعدام الجنرال ضياء الحق لزوجها الى ان سلّمت الدفّة لابنتها. المغدورة بنازير كانت تحب ان تردّد، بأنها من أب سنيّ وأمٌ شيعية.
مع انفصال بنغلاديش، صارت نسبة الشيعة من السنّة في باكستان أكبر، الا أنّ الفترة نفسها شهدت ما يوصف بالمنعطف السنّي، وخصوصاً مع الجنرال ضياء الحق، وهنا تتقاطع عدّة عوامل. منها، قوّة الحركة الاسلامية داخلياً التي استطاعت أن تدفع ببوتو عام الى اعتبار الجماعة الأحمدية غير مسلمة، ولم يكن ذلك من دون تأثير عربي. وفي المقابل، أتت الثورة الايرانية من ناحية والاجتياح السوفياتي لأفغانستان ليعزّزا الميل السنّوي.
لم يدفع هذا باتجاه التصادم مع ايران. مرّت طبعاً أزمات عديدة، لكن بمحصّلة ثلاثة عقود يمكن وصف العلاقات بين البلدين بالايجابية. ليس ما يقارن بالتوترين بين ايران وجوارها السني العربي أو بين ايران وجارتها الشيعية آذربيجان.
ساهم حكم الطالبان لأفغانستان في مرحلة صعبة من العلاقات بين ايران وباكستان، ثم عادت المياه الى مجاريها نوعاً ما، الى ان بدأ التدهور من جديد قبل عامين، مع وصول نواز شريف الى السلطة وايثاره التحالف مع بلدان الخليج، مع تحسّس سلبي لتنامي العلاقات بين الهند وكل من ايران واسرائيل. وكان المؤشر السلبي اقتصادياً تعثر مشروع خط انابيب الغاز الذي كان يفترض ان يمتد من داخل ايران الى القرب من كراتشي في مرحلة اولى، والى الهند في مرحلة ثانية، وإيران تتهم الدول العربية بأنّها أوقفت المشروع.
تنصيب ايران نفسها حامية كل شيعة العالم لا ترتاح له باكستان. في الوقت نفسه يتعرّض شيعة باكستان لهجمات دامية من الجماعات التكفيرية بشكل روتينيّ منذ سنوات، ولا يبدو ان ايران تتوقّف جديّاً عند ذلك. يهمّها أكثر تأمين الحدود بين البلدين لمواجهة المشكلة البلوشية والجماعات السنية الانفصالية.
التوتّر الحدودي في الأشهر الماضية كان مقلقاً. فبعد سنوات من المد والجزر في التعاون بين ايران وباكستان ضد المتمرّدين البلوش، وجّه المسؤولون الايرانيون الاتهامات بشكل تصاعدي الى اسلام اباد بغض الطرف عن جماعة جيش العدل السائحة بين بلوشستان الباكستانية وتلك الايرانية. ووصل الامر بالايرانيين الى التلويح بإمكان بعث قوات مكافحة ارهاب الى داخل باكستان متذرعين بالاتفاقية الامنية بين البلدين، وصولاً الى خرق الحدود بالفعل في تشرين الاول الماضي.
أيّاً يكن من شيء اليوم حول حجم المشاركة الباكستانية، فانها تأتي ضمن مسار عامين من تدهور العلاقات بين طهران واسلام اباد، من دون ان يعني ذلك أنّ العلاقات ستخرج في الأمد المنظور عن نمطها العام، رغم انها تظهر بشكل مؤسف للغاية الأبعاد التي سلكها الفرز المذهبي في العقود الأخيرة، فرز اعتقد محمد علي جناح، خطأ، أنه حذفه بشخصه.
اهلا سهلا بكم
“حماس”: تصريحات نتنياهو خطاب اليائس الباحث عن نصر موهوم
إيلون ماسك يتوعد بمصادرة الأصول البرازيلية في الولايات المتحدة
شركة الخطوط الجوية الإيطالية تمدد تعليق الرحلات إلى تل أبيب