نوفمبر 21, 2024

اذاعه سياسيه اخباريه ثقافيه تهتم بالشأن العالمي والعربي والعراقي

الخرافة الثالثة: في زمن النكبة.. الفلسطينيون نزحوا من تلقاء أنفسهم


نعرف “زمن النكبة” من المفاتيح العتيقة والصدأة المعلقة في رقاب الشيوخ والعجائز الفلسطينيين، ممن أجبرتهم المليشيات الصهيونية على ترك منازلهم والرحيل عام 1948، وما زالوا يحلمون بـ”العودة” ⑽ حتى يومنا هذا، لكن النكبة في المرويات الإسرائيلية تختلف عما عايشناه ونعرفه عن ظهر قلب؛ فقد استطاعت إسرائيل على مدار العقود الفائتة أن تعيد صياغة التاريخ وتكتبه كما يحلو لها. ووفقا لادعاءات الاحتلال، لم يجبر أحد عرب فلسطين على ترك منازلهم والرحيل، هم نزحوا من تلقاء أنفسهم بناء على اقتراح من الجيوش العربية قبيل حرب 1948، كما لم يجبرهم أحد على عدم العودة بعد انتهاء الحرب.

تردد إسرائيل هذه الأكاذيب بأريحية شديدة تجعلك تشعر وكأن العيش في المخيمات على حدود الدول الأخرى كان خيارا فلسطينيا. بالطبع لن تخبرنا دولة الاحتلال عن عشرات المجازر(11) التي ارتكبت في حق أصحاب الأرض من الفلسطينيين بين عامي (1937-1948)، التي كانت أشبه بعملية تطهير عرقي (12) نتج عنها نزو(13) أكثر من 700 ألف فلسطيني.

فقد استوحت الروائية المصرية رضوى عاشور أحداث روايتها “الطنطورية” (14) من إحدى هذه المذابح، وهي مذبحة قرية الطنطورة (15) عام 1948 التي راح ضحيتها أكثر من 200 فلسطيني. وفي العام ذاته وقعت عشرات المذابح في مختلف القرى والمدن الفلسطينية، مثل مذبحة مدينة اللد (16) التي قتل فيها أكثر من ألف فلسطيني، ومجزرة “قرية دير ياسين” الشهيرة التي قاموا فيها بتصفية 120 من أهل القرية البالغين 750 نسمة، كان أكثرهم من النساء والأطفال.

كل هذه المجازر ارتكبتها عصابات الهاجاناه والبالماخ وغير ذلك من الميليشيات الصهيونية التي كانت تجوب القرى والنجوع بهدف إخلائها من السكان وإفساح الطريق أمام المستوطنين الجدد لبناء مستعمراتهم، وكان الذبح والاغتصاب وبقر بطون الحوامل هي اللغة التي تحدثتها تلك العصابات (17) واستخدمتها فزاعةً لتخويف عرب فلسطين والدفع بهم نحو الرحيل، إن لم يكن خوفا على أرواحهم، فخشية على أرواح أبنائهم.

الخرافة الرابعة: لم تخض إسرائيل يوما حربا إلا دفاعا عن النفس

لم يتوقف الأمر عند تزييف تاريخ النكبة، بل إن هناك شبكة عنكبوتية من الأكاذيب تُظهِر إسرائيل في مظهر الحمل الوديع الذي لم يسع للحرب يوما، لكن حظها العسر أوقعها وسط العرب المعادين لها من كل جانب، ولهذا كانت إسرائيل -في كل الحروب التي خاضتها- “مضطرة” للدفاع عن نفسها.

على مدار تاريخها، سعت إسرائيل لإلصاق وصف “الدفاع” بجيش كانت نواته الأولى عصابات الهاجاناه والبالماخ. تلك الصورة الذهنية لدور “الضحية” الذي أتقنته دولة الاحتلال تتماهى مع ما نسمعه مؤخرا وتتناقله وكالات الأنباء العالمية عن مظلومية إسرائيل(18)، الجيش الأكثر تمويلا في الشرق الأوسط، وحقها في الدفاع (19) عن نفسها ضد قطاع غزة المحاصر الذي يضم أكثر من 2.3 مليون مدني يناضلون للبقاء على قيد الحياة.

يشير المؤرخ المصري خالد فهمي إلى أن إسرائيل حاولت بذلك التنصل من كونها مشروعا استيطانيا أو دولة استعمارية توسعية، رغم ذلك أزاحت “الحروب التي شنتها إسرائيل” الستار عن النيات التوسعية للكيان المحتل، وما أسهل الحصول على أمثلة تؤكد ذلك؛ إذ نجد العدوان الثلاثي على مصر وقد فشلت دولة الاحتلال في تبرير أسبابه حتى لمواطنيها عام 1956، بعدها جاءت حرب يونيو 1967، عندما غزت إسرائيل غزة والضفة الغربية ومرتفعات الجولان وانتهت الحرب وفي جعبة إسرائيل مجموعة جديدة من الأراضي المحتلة تأبى الخروج منها.

في السنوات التي تلت ذلك ارتكبت إسرائيل عدة مذابح تصنف ضمن جرائم الحرب، مثل “مذبحة بحر البقر” التي قصفت خلالها ⒇ القوات الجوية الإسرائيلية مدرسة أطفال ابتدائية بزعم كونها قاعدة للقوات المصرية ونتج عنها مقتل أكثر من 30 طفلا وإصابة عشرات الأطفال الآخرين، ثم أتى غزو لبنان عام 1982 ومجزرة صبرا وشاتيلا (21) المروعة التي قامت بها ميليشيات مسلحة متحالفة مع إسرائيل.

إنَّ تأمل هذه السلسلة من الأكاذيب يجعلنا ندرك أن إسرائيل في حقيقة الأمر لم تكن يوما في موقع المدافع(22)، بل كانت تشن حروبا ومن ثم تنتظر ردة الفعل لتجعل حربها تبدو وكأنها دفاع عن النفس، وهو بالضبط ما يحدث الآن (23) في قطاع غزة من قصف وحشي انتقامي نشاهده مباشرة على شاشات التلفاز، بزعم أنه رد على عملية طوفان الأقصى التي شنتها حركة حماس يوم السابع من أكتوبر.

YouTube
YouTube