ديسمبر 22, 2024

اذاعة صوت المهاجر الاعلامية

اذاعه سياسيه اخباريه ثقافيه تهتم بالشأن العالمي والعربي والعراقي

حريم محمد علي باشا.. “صوفيا بول” تكشف العالم السري لحريم الوالي. الجزء. الاول


حينما ظهرت الطبعة الأولى لكتاب “المرأة الإنجليزية في مصر” في لندن عام 1884م بقلم “صوفيا بول”، أخت المستشرق البريطاني الأشهر “إدوارد وليام لَين” (Edward William Lane)؛ حازت قبولا حسنا من القارئ الإنجليزي، كما دلَّ على ذلك ما جاء في مقال بقلم الرحالة “كَنجليك” الذي قال: “إن هذا الكتاب الممتاز، وهو نتيجة المشاهدات الشخصية للكاتبة، يعطينا في بضع صفحات معلومات عن السر الغامض للحريم الشرقي تفوق في غزارتها أي مصدر آخر”. وبعد عام من ذلك التاريخ، ظهرت طبعة أميركية لهذا الجزء الأول عام 1845م، أما الجزء الثاني للكتاب الذي حوى وصفا للاحتفالات بزفاف “زينب هانم”، ابنة محمد علي باشا، فقد طُبِع في لندن عام 1846، ولم تصدر أي طبعات أخرى للكتاب منذ ذلك الحين. وقد تُرجم الكتاب إلى العربية بواسطة المترجمة عزة كرارة تحت عنوان “حريم محمد علي” ونستعرض أهم ما ورد فيه في  السطور القادمة.

لقد كانت الرحَّالة من الأجنبيات يحاولن قدر الإمكان أن يحظين بزيارة “الحريم”، ويتعرَّفن على هذا العالم الغامض الذي لم يستطع المستشرقون من الرجال أن ينفذوا إلى أسراره، وبذلك تفوَّقن عليهم، وهُم الذين لم يعرفوا النساء المصريات، اللهم سوى الغوازي والعوالم ومن على شاكلة “كوجَك هانم” صديقة الكاتب والروائي الفرنسي “جوستاف فلوبير”، الذي تلذَّذ بمعاناة الشرق والشرقيين، وصبَّ جام اهتمامه على مظاهر الظلم والشذوذ والقبح والفوضى فيه.

أما السيدات المحترمات المحجبات المصونات في حريمهن، فنجحت الأجنبيات في زيارتهن بشتى الطرق، وغالبا ما كان الخَدَم هم الوسطاء. ولا شك أن الفضول أتى من الجانبين، إذ إن سيدات الحريم تشوَّقن أيضا لرؤية النساء السافرات صاحبات الحرية المطلقة في الترحال حيثما أردن. وغالبا ما أخفقت هذه الزيارات، إذ غلب عليها التكلُّف ولم تتعدَّ في العادة الحديث ببعض عبارات المجاملة والملاحظات السطحية عن طريق الإشارة أو الترجمة. ولذا، جاءت غالبية روايات الزائرات الأجنبيات أقرب إلى السطحية وتعبيرا عن أفكارهن السابقة عن الشرق، فلم يرين في الحريم إلا ما هو قبيح وتافه، على حد وصف الدكتورة “عزة كرارة” مترجمة “رحلة صوفيا إلى القاهرة 1842-1846م”.

لم تكن رحلة “صوفيا بول” إلى القاهرة مع ولدَيْها بعد انفصالها عن زوجها سوى تعبير عن شغفها الذي غرسه فيها أخوها المستشرق المعروف “إدوارد وليام لَين”. فقد كتب إدوارد عن العالم الإسلامي ومصر كُتبا شديدة الأهمية، بعيدة كل البُعد عن السطحية والتفاهة التي كتب بها مستشرقون آخرون، ومنها كتاب “عادات المصريين المحدثين وتقاليدهم”، وكتاب “وصف مصر” الذي لم يُنشَر، كما ترجم أكبر قاموس معجمي عربي إلى الإنجليزية اعتمادا على “تاج العروس” للعلامة المرتضى الزبيدي، وكان له أعظم الأثر في أخته صوفيا وحفيدها “ستانلي بول”، صاحب الكتاب الأهم “تاريخ مصر في العصور الوسطى”.

حين أتمَّ إدوارد كتابه “عادات المصريين المحدثين وتقاليدهم”، أدرك أن ثغرة كبيرة لا تزال بحاجة إلى ملئها في كتابه، وهي ثغرة أصيلة ومهمة متعلقة بعالم الحريم في مصر تحت حُكم محمد علي باشا في أربعينيات وخمسينيات القرن التاسع عشر. وقد استغل تطلُّع أخته الأثيرة صوفيا إلى التعرُّف على الشرق ومصر بالتحديد، فأوكل إليها مهمة الكتابة عن هذا العالم، وتسهيل الوصول إليه من خلال سيدات إنجليزيات كنَّ قد عشن في مصر منذ فترة بسبب عمل أزواجهن في التجارة والتعليم والتبشير. وقد أُعجبت صوفيا بالفكرة، وأحبَّت المغامرة في وقت جسَّد الشرق فيه معنى المغامرة بالتعرُّف على أسراره وتقاليده وعاداته وآثاره.

وصلت صوفيا إلى مصر ونزلت الإسكندرية في صيف عام 1842م، ومنذ ذلك التاريخ راحت تُدوِّن مشاهداتها عن كل ما أحاط بها، لا سيما وقد لفت انتباهها البؤس والفقر والمرض وسوء التغذية الذي عانى منه الأطفال وأمهاتهم في الطبقات الفقيرة آنذاك. كما شرعت في الكتابة عن آثار مصر والجيزة والصعيد، ثم خصَّصت العديد من فصول رحلتها عن عالم الحريم في الطبقتين؛ العليا التي تبعت محمد علي باشا وأبنائه، والوسطى التي امتلكت عاداتها وتقاليدها أيضا في تسيير شؤون الحرملك. وقد تركت لنا صوفيا حكاياتها بأسلوب وصفي ماتع، حرصت فيه على أن تكتب ما رأته وشاهدته بنفسها، مع انطباعات أوروبية سابقة ومتحيزة لم تستطع أن تتخلى عنها بالطبع نتيجة التربية والثقافة.

كتبت صوفيا في مقدمة كتابها أن أخاها إدوارد وضع تحت تصرُّفها مذكرات له غير منشورة لتقتبس منها ما احتاجت إليه، وقد فعلت ذلك بالفعل، إذ نجد فقرات كبيرة من رسائلها تحوي معلومات مستقاة حرفيا من كتابات أخيها، وغالبها من مخطوط “وصف مصر”. وما يهمنا في مذكرات صوفيا عن مصر وأسرار الحرملك فيها أنها حين زارتهن كانت ترتدي الزي الأوروبي بدلا من التركي الذي كانت ترتديه عادة في المنزل وخارجه، لأنها كما قالت حظيت باحترام أكبر حين ارتدت الأوروبي، [1] وهي ظاهرة تُوضِّح الاحترام والمكانة العالية التي حظي بها الأجانب في دولة محمد علي باشا.

YouTube
YouTube