أحيا وصول مصطفى الكاظمي إلى رئاسة الحكومة العراقية، قصة تهريب الأرشيف اليهودي في العراق إبان الغزو الأميركي للبلاد عام 2003، وما رافقتها من اتهامات طالت شخصيات سياسية ودينية بارزة في حينها بالتورط في القضية، التي لم تحسم حتى يومنا الحاضر.
أطراف عدة خارجية وداخلية تدور حولها الاتهامات بالمساهمة في اختفاء الأرشيف اليهودي في العراق، إذ كان الكاظمي أحد الأسماء التي اتهمت بالتورط في هذه القضية التي لا تزال غامضة حتى الآن، رغم الكثير من التصريحات الرسمية وغير الرسمية.
علاقة الكاظمي
ارتبط اسم الكاظمي بقصة الأرشيف اليهودي في العراق، بعدما عرضت القناة الإسرائيلية السابعة عام 2010 لفافة التوراة إنها وصلت لإسرائيل من العراق مهربة بواسطة دفع رشوة كبيرة، وساهم فيها مسؤولون عراقيون وإنها تعرض الآن في متحف أحفاد بابل (إشارة لليهود الذين تركوا العراق) واستقر معظمهم لاحقا في إسرائيل.
وبينت القناة الإسرائيلية في تقريرها أن “نسخة التوراة مكتوبة في القرن الثامن عشر وبغطاء من الفضة الخالصة مرصعة بأنواع من الخرز والزجاج، عليه أيضا قطع من الألواح التوراتية إضافة إلى شمعدان له 7 فوهات ونقش عليه صورة للهيكل”.
ظهور نسخة من لفائف التوراة مكتوبة على جلد ومحاطة بإطار فضي في إحدى القنوات التلفزيونية الإسرائيلية، أثار ضجة داخل وخارج العراق حول تهريب الآثار العراقية وخاصة الأرشيف اليهودي الذي تم نقله عام 2003 إلى الولايات المتحدة الأميركية مع وثائق لحزب البعث حيث تجري صيانتها في معهد هوفر العريق التابع لجامعة ستانفورد لغرض صيانته وترميمه من التلف.
وفي تصريحات لوزير السياحة والآثار في حينها قحطان الجبوري أدلى بها لصحيفة “الصباح” العراقية شبه الرسمية، بأن وزارته لم تعثر على وثائق رسمية تؤكد أو تنفي المعلومات التي تناقلتها وسائل الإعلام بشأن تهريب نسخ من التوراة إلى إسرائيل، مستدركا بالقول: إن وزارته “بادرت إلى تفعيل التحقيق للتأكد من صحة المعلومات وبالتالي إعادة هذه النسخ إلى موطنها العراق”.
أما عن علاقة الكاظمي بالقصة، فإنه كان يعمل في وقتها مديرا في مؤسسة “الذاكرة العراقية” التي كانت تحتفظ بوثائق حزب البعث، ونقلتها لمعهد هوفر لغرض الصيانة، إذ قال في حديث لصحيفة “إيلاف” الإلكترونية في 25 سبتمبر/ أيلول 2010: إن “أي مادة خاصة بالملف اليهودي هي غير موجودة ضمن ما موجود في عهدة مؤسسة الذاكرة”.
وأضاف الكاظمي الذي كان في وقتها مدير مشروع التأريخ الشفهي المصور في “الذاكرة العراقية”: أن “هذا الأرشيف تم نقله من دائرة المخابرات العراقية للنظام البائد في منطقة المنصور بعد سقوط نظام صدام حسين، حسب ما أعلن في حينها في وسائل الإعلام، وأن هذا الأرشيف كان في حالة تحتاج إلى عملية صيانة وترميم وهو في عهدة الحكومة الأميركية، ولا دخل لمؤسسة الذاكرة العراقية بهذا الموضوع”
“لغز الاختفاء”
لكن في 29 يونيو/ حزيران 2012، كشفت منظمة “عراقيون ضد الفساد” في تصريحات نقلتها صحيفة “دنيا الوطن” أنها حصلت على معلومات بخصوص لغز اختفاء الأرشيف اليهودي من العراق.
ونقلت عن مسؤول في وزارة السياحة والآثار آنذاك (لم تسمه) قوله: “حسب المعلومات التي توفرت سابقا لنا والمؤكدة لي شخصيا فإن كل من: برهم صالح (الرئيس العراقي الحالي) ومصطفى الكاظمي (رئيس الوزراء الحالي) ورجل الدين المعمم حسين الصدر كان لهم الدور الفعال والمحوري والتنسيق فيما بينهم لغرض الحفاظ عليه لحين إيصال هذا الأرشيف إلى إسرائيل بسلامة وأمان وبمساعدة لوجستية من زمرة أحمد الجلبي (سياسي عراقي توفي عام 2015)”.
وردا على سؤال للمنظمة بخصوص المقابل الذي حصلت عليه هذه الشخصيات مقابل نقلهم الأرشيف اليهودي إلى إسرائيل، قال المسؤول: “حسب معرفتي بهذا الموضوع، فإن برهم صالح حصل على منصب رئيس وزراء حكومة إقليم كردستان، والآن يتم تهيئته لإعطائه منصب رئيس الجمهورية بعد رحيل جلال الطالباني (الرئيس العراقي الأسبق توفي عام 2017).
وأضاف: “أما مصطفى الكاظمي مدير مشروع التاريخ الشفهي المصور لمؤسسة الذاكرة العراقية، فقد حصل على دعم مالي كبير بغرض افتتاح مؤسسة إعلامية له تكون معها إحدى الواجهات الإعلامية التي يتخفى وراءها المسؤولون الأمنيون الإسرائيليون المشرفون عن الملف العراقي في جهاز الموساد”.
وتابع المسؤول العراقي، بالقول: “رجل الدين المعمم حسين الصدر، علاقته أكثر من ممتازة وجيدة مع أهم المسؤولين الأميركيين والبريطانيين والإسرائيليين ويرغب بتقديم دعم له من خلال تدخلهم بصورة مباشرة، بغرض أن يكون مرجعا أعلى للطائفة الشيعية بعد رحيل السيستاني”.
ولفت إلى أن كل هؤلاء وغيرهم شاركوا بصورة أكثر من فعالة وحيوية لغرض تأمين نقل الأرشيف اليهودي العراقي جوا إلى تل أبيب بطائرة خاصة، وجميعهم قبضوا ثمن تهريبهم لهذا، سواء أكان الثمن ماديا أو معنويا أو دعما سياسيا، خاصة الأسماء الثلاثة الأولى كان لهم دور فعال وتنسيق على أعلى المستويات مع جهاز الموساد الإسرائيلي”.
وكشف المسؤول العراقي بأن “معظم الأرشيف كان موجودا في منزل رجل الدين المعمم حسين الصدر في مدينة الكاظمية طيلة أكثر من 4 أشهر، لأنه كانت هناك مساومة على هذا الأرشيف من قبله وتفاهمات خاصة مع الإسرائيليين لحين تأمين نقله إلى تل أبيب”.
رواية عراقية
لكن روايات عدة اختلفت حول نقل الأرشيف اليهودي من العراق، إذ اتفقت إحداها مع ما ذكره الكاظمي من أن القوات الأميركية عثرت عليه في قبو داخل دائرة المخابرات العراقية في العاصمة بغداد بناء على معلومات سرية، حسبما ذكر الكاتب لورين ماركو في صحيفة “واشنطن بوست”.
وقالت الصحيفة الأميركية: “بناء على معلومات سرية، قام 16 جنديا أميركيا باقتحام الطابق السفلي من مقر مخابرات نظام الرئيس السابق صدام حسين في بغداد في 6 مايو/أيار 2003، الذي غمرته المياه، حيث تم العثور على كمية من لفائف التوراة، وكتب الصلاة والتقويمات العبرية”.
وأفادت تقارير صحفية أن الولايات المتحدة الأميركية اتفقت مع السلطات العراقية على إعادة ترميم الأرشيف اليهودي وإعادته بعد نحو 10 سنوات، لكنها لم تعده حتى اليوم.
وزير الثقافة والسياحة العراقي السابق عبد الأمير الحمداني قال لصحيفة “الصباح” العراقية في 9 فبراير/ شباط 2020: “الأرشيف موجود في مركز الأرشيف الوطني في واشنطن، ووقعت وزارة الخارجية العراقية مذكرة استرداد لإعادته عام 2021”.
وأشار إلى أن “الأرشيف لم يمس وموجود بالكامل، وما قيل عن تهريب نسخ أو جزء منه غير صحيح، حيث تحول إلى صيغ رقمية، والمادي منه مطلوب للعرض حاليا في عدة ولايات أميركية، وعندما يكتمل هذا العرض سيعود إلى بغداد ولدينا الحق الكامل باسترداده”.
وألمح الوزير إلى أن “عمليات صيانة جرت على هذا الأرشيف بالكامل بعد أن وجد مبتلا وفي حالة يرثى لها، فجرى تجميده ومن ثم وضعه بحاويات خاصة وإرساله إلى أميركا لإجراء عمليات الصيانة، إلا أن جزءا منه معرض للتلف، بينما غالبيته موجود ويحوي بيانات شخصية ووثائق وعقارات وسجلات”.
نفي الوزير العراقي لموضوع تهريب جزء من الأرشيف اليهودي، يحلينا إلى الرواية الثانية التي تفيد بأن 800 وثيقة نادرة من الأرشيف وصلت إلى إسرائيل عن طريق الولايات المتحدة، حسبما ذكرت وسائل إعلام عبرية.
رواية إسرائيلية
الرواية ظهرت بعد احتفاء رسمي إسرائيلي بوصول مخطوطة التوراة العراقية إلى إسرائيل، والتي تعد النسخة الأقدم في العالم، والتي أثارت ضجة كبيرة في العراق، والذي طالب رسميا من مركز “نارا” الأميركي المكلف بصيانة وترميم الأرشيف اليهودي العراقي، بتقديم إجابات واضحة بشأن هذه المخطوطة.
لكن مركز “نارا” صدم الجميع في بيان رد به على استفسار بغداد، إذ أكد أنه لم يقم ببيع المخطوطة العراقية من التوراة لإسرائيل، معتبرا ما أعلنته الوزارة عاريا عن الصحة تماما.
وفجر المركز الأميركي مفاجأة عندما قال: “المركز مختص بترميم المخطوطة وفق اتفاقية مع الحكومة العراقية التي كان يرأسها نوري المالكي، وعقب انتهائنا من عمليات الترميم للمخطوطة التي استمرت لأكثر من 8 أشهر، فوجئنا بحصول رجل أعمال يهودي أميركي على كتاب رسمي من بغداد ومصادق عليه من السفارة العراقية في واشنطن، يجيز له تسلم المخطوطة من المركز بعد حصوله على ملكية مخطوطة التوراة العراقية، بدفعه مبلغا ماليا قدره 35 مليون دولار”.
وأوضح “نارا” أنه “بالفعل قام المركز بتسليم المخطوطة لرجل الأعمال اليهودي بعد التأكد من صحة الأوراق التي يحملها، وبموجب هذه الأوراق أيضا تمكن الرجل من نقل المخطوطة إلى خارج الأراضي الأميركية متوجها بها إلى إسرائيل”.
وفي عام 2018، نقل الأكاديمي فوزي هادي الهنداوي مؤلف كتاب “قصة سرقة الأرشيف اليهودي العراقي” عن مدير دار الكتب والوثائق العراقية سعد إسكندر رواية السرقة بقوله: “الأميركيون لم يعثروا على الأرشيف اليهودي كما يدعون، بل إن أحد كبار ضباط جهاز المخابرات العراقي السابق، تقرب من أحد رجال المعارضة بعد عودتهم إلى العراق وأخبره أنه كان مسؤولا عن أرشيف مهم جدا يعود إلى النبي موسى، ويريد كشفه للقوات الأميركية بشرط الحصول على ضمانات أمنية”.
وتابع الكلام بالقول: “ضابط يهودي كان يعمل في مكتب دونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأميركي، طلب نقل الأرشيف إلى أميركا وكان في حالة يرثى لها، وكثير من مواده مغمورة بالمياه الآسنة”.
وقبل ذلك، قالت خبيرة الآثار العراقية لمياء الكيلاني في مقابلة مع قناة “روسيا اليوم” في مايو/ أيار 2016: “الأرشيف اليهودي الذي عثر عليه في دائرة المخابرات العراقية وتعرض للتلف والأضرار نتيجة المياه، ذهب إلى الولايات المتحدة نتيجة لاتفاق مع دائرة الوثائق العراقي المؤسسة الوحيدة التي كانت تعمل في حينها بعد توقف جميع الوزارات إبان الاحتلال الأميركي”.
وأردفت: “أما ما يتحدث عنه الإسرائيليون من تسلمهم وثائق من الأرشيف اليهودي عن طريق الولايات المتحدة فهي للتغطية على المسروقات التي نهبت لآثار أخرى من العراق ولإعطائها الشرعية قالوا إن الولايات المتحدة أعطتهم إياها من الأرشيف اليهودي. حتى لا يقال إنها مسروقة من العراق”.
أهمية الأرشيف
يحتوي الأرشيف على عشرات الآلاف من الوثائق، وما يقرب من 2700 كتاب، تم عرض 24 قطعة منها فقط في المعرض الذي حمل عنوان “الاكتشاف والاسترداد: الحفاظ على التراث اليهودي العراقي”، وأقيم عام 2013 في مركز الأرشيف الوطني الأميركي.
ويضم الأرشيف عددا كبيرا من الصور والمستندات والوثائق التي تعود إلى يهود العراق وتاريخهم ووثائقهم، وكذلك نسخا من التوراة، إضافة إلى مؤلفات نادرة قديمة يعود أقدمها إلى القرن السادس عشر.
ومن ضمن ما عثر عليه أيضا ضمن الأرشيف اليهودي في بغداد، كتاب مقدس باللغة العبرية يعود إلى 400 سنة مضت، وكتاب تلمود عمره 200 سنة، علاوة على كتاب صغير لصلاة عيد الفصح من عام 1902، وكتاب صلاة باللغة الفرنسية يعود إلى عام 1930، ومجموعة من الخطب المطبوعة لحاخام من ألمانيا تعود لعام 1692، فضلا عن مجلدات مليئة بالسجلات المدرسية لطلاب من العام 1920 إلى العام 1975.
وفي تصريحات صحفية أدلى بها مدير المركز العراقي للتوثيق التاريخي محمد الشيخ في 27 يناير/ كانون الثاني عام 2015، قال: “الأرشيف اليهودي الذي يحوي دلائل تدين الاحتلال لفلسطين، وتفند ادعاءاتهم الدينية لتمرير غطاء سياسي للاحتلال، تم إتلافها داخل المتحف الوطني العراقي عام 2003، وتم نقل ما ينفعهم منها إلى تل أبيب”.
وسائل إعلام أميركية وإسرائيلية نقلت عام 2015 جانبا من احتفال أُقيم في القدس المحتلة، بوصول مخطوطة نادرة للتوراة كانت ضمن مقتنيات المتحف العراقي، وأظهرت صور استقبال المخطوطة من مسؤولين في الحكومة الإسرائيلية ورجال دين يهود ومواطنين.
وأكدت أنها قطعت رحلة غامضة من بغداد عقب الغزو الأميركي، لتحل أخيرا في أروقة وزارة الخارجية الإسرائيلية في القدس، واستقبلت بمراسم دينية تخللتها “الأهازيج والتراتيل وتوزيع الحلوى”.
ونقلت وكالة “الأسوشييتد برس” عن وزير الخارجية الإسرائيلي في حينها، أفيغدور ليبرمان، قوله: إن “رحلة المخطوطة، التي عثر عليها في مخزن المخابرات العراقية، إلى المعبد اليهودي في الوزارة “تمثل مصير اليهود”.
المصادر:
اهلا سهلا بكم
الخضار الأعلى كثافة بالمغذيات
أزمة في التجنيد الاسرائيلي سببها العدد الكبير من القتلى والجرحى
الخبير الهولندي الشهير يحذر من زلزال عنيف